الثلاثاء، 29 يناير 2013

ما الذى يفعله المصريون بمصر؟



الخبير الاقتصادي العالمي الدكتور محمد العريان رئيس المجلس الرئاسي الأمريكي للتنمية العالمية يكتب عن بلده الأم مصر. 

ما الذى يفعله المصريون بمصر؟
==========================
أشعر بالألم والمعاناة، شأن الملايين الآخرين من جراء ما يجرى لمصر والمصريين من خسائر بشرية وعنف ودمار مادى. ليست هذه مصر التى ناضلت ثورة 25 يناير بشجاعة من أجلها، ولا يجب أن تكون كذلك أبدا.

وبقدر ما يطول هذا الجنون ويتمادى، بقدر ما سيكون حجم الدمار لمستقبل البلد فادحا، بالنسبة إلى رفاهية الأجيال الحالية والقادمة، واستقرار العالم العربى. إن الشعب يفقد إيمانه بثورته.

فى داخل البلد، هناك أقلية متزايدة الآن تودّ لو أن بمقدورها أن تستبدل فوضى اليوم بقمع الأمس. ولأنهم لا يستطيعون، فهم يبحثون فى كل السبل الممكنة للرحيل عن مصر وبداية حياة جديدة فى مكان آخر.

وخارج مصر، يتم توصيف الحدث التاريخى بشكل متزايد على أنه كارثى وليس حدثا يمكّن الشعب. القروض والمنح يتم تجميدها، والاستثمارات الأجنبية تراجعت. السياح مترددون فى زيارة آثار مصر ومعالمها الفريدة. وكل هذا يعمل على حجب الأكسجين عن اقتصاد يعانى بالأساس.

ومن الثابت الآن أن مصر تعانى حقيقة فى نقطة تحوُّل ثورى دقيقة، وهى تحديدا عملية الانتقال من تفكيك الماضى المرعب إلى بناء مستقبل أفضل. الوحدة تم استبدال الانقسامات بها، وأفسحت روح التضامن مكانها للشك، وحل الصراع والانقسامات محل قوة الدفع الاستراتيجية. واستحالت وحدة الهدف أغراضا متغيِّرة باستمرار. ليس ثمة رابحون هنا، بل فقط خاسرون، ومآسٍ وفقر متفشٍّ وتعاسة إنسانية هائلة. وإذا استمرت مصر فى مسارها الحالى، فإن اقتصادها سوف ينفجر وستتضاعف معاناتها المالية.

لم يعد هناك وقت لإضاعته. إن المصريين بحاجة إلى أن يجتمعوا ويغيِّروا معًا المسار الحالى. ولو أنهم فشلوا فى القيام بهذا سريعا، فإن الاقتصاد سيعانى من الكساد، وستزداد البطالة حتى بصورة أكبر، وسيتقلص الاحتياطى من النقد الأجنبى، وستجد الدولة صعوبة أكبر فى توفير الخدمات الأساسية، بما فى ذلك توفير قدر أفضل من التعليم والصحة.

إن خطر الدخول فى منزلق اقتصادى مروّع يزداد بفعل العجز المؤسسى للبلد، فكثير من المؤسسات، سواء فى القطاعين العام أو الخاص، معطل عبر مزيج من انخفاض المصداقية، وعمليات تعوزها الكفاءة، ومصالح متضاربة ودوافع فى غير محلها. إن هذا المزيج المعوق، هو أمر لا بد من فهمه، والسيطرة عليه وتجاوزه. والمهم أن هذا ليس أمرا مطلوبا فقط، بل إنه فى المتناول. ما زالت مصر تملك القدرة على تغيير المسار واستئناف مسار الثورة الواعد نحو تمكين الشعب.

وكخطوة أولى ومُلِحّة، فإن كل الحركات السياسية المصرية الكبرى بحاجة إلى أن تجتمع فى حوار وطنى يضع على قمة أولوياته رفاهية البلد ومواطنيه. وفى هذا الإطار فإن الحركات السياسية بحاجة إلى الالتزام بأن تسمو فوق المصالح السياسية الضيقة والولاءات الموروثة. ويجب على أنصار تلك الحركات أولا وقبل كل شىء، أن يحمّلوهم المسؤولية ويحاسبوهم على ذلك.

ثانيا، يكون هدف هذا الحوار اتفاقا واسعا على رؤية لمصر فى 2016؛ رؤية ليست فقط مستندة ومستمََدَّة من الأهداف النبيلة والمكتسَبة للثورة، بما فيها العدالة الاجتماعية واحترام حقوق الإنسان واقتصاد مزدهر، بل تكون هذه الأهداف مهيمنة عليها.

ثالثا، يكون هذا الهدف الواسع مفصَّلا فى برامج يتم نشرها على نطاق واسع، بخطوات إرشادية واضحة، بحيث يمكن لكل المصريين أن يقيسوا التقدم المحرَز، والالتزام والتكريس.

وبهذا، سيجد التكنوقراط من السهولة بمكان أن يصمموا مجموعة من الإصلاحات الداعمة. وواقع الأمر أن الصعوبات الفنية يمكن التغلب عليها شريطة أن تكون العملية السياسية أكثر وحدة ومساندة.

أتذكر هنا مرحلة مشابهة من ثورة جنوب إفريقيا، وهى مرحلة ربما تكون مفيدة للمصريين. فى لحظة كانت تمثل المنعطف الأدق على طريق صعود جنوب إفريقيا من عقود من الفصل العنصرى المقيت، كانت لدى معظم دول العالم وقطاع كبير من سكان القارة الرغبة فى التخلى عن السعى نحو العدالة الاجتماعية وتمثيل الجميع، بدا هذا المسعى صعبا للغاية، وشديد التعقيد وغير مرجَّح إلى حد بعيد أن يتحقق. كانت الانقسامات عميقة جدا وسمح وقت طويل جدا للكراهية بأن تنمو. عندها جاء نيلسون مانديلا برسالة بسيطة وملهمة لرجال ونساء وطنه. لقد حثّهم على أن «يسامحوا لا أن ينسوا».

ضغط عليهم مانديلا لكى يركزوا على بناء مستقبل أفضل كان الجميع يتطلع إليه. أما هو فقد وعد بالتصدى للإرث من المظالم فى سياق عملية مكاشفة ومصالحة مرتبة وعلى مدار سنوات.

إن مصر لا تملك شخصا بمكانة ومصداقية نيسلون مانديلا. لكنه ما زال بمقدورها أن تستنسخه عبر مجهود جمعى. يجب، بل لا بد أن تقوم بذلك. أيها المصريون، لقد فاجأتم العالم بتفكيك نظام متخندق بشدة فى 18 يوما، حكم بقبضة حديدية لعقود عديدة، وقد آن الأوان لأن تفاجئوا العالم بوقوفكم معا واستعادة الثورة وتقديم مستقبل أفضل لشعبكم، لطالما ناضل بشكل مشروع من أجله.
الخبير الاقتصادي العالمي الدكتور محمد العريان رئيس المجلس الرئاسي الأمريكي للتنمية العالمية يكتب عن بلده الأم مصر.


==========================
أشعر بالألم والمعاناة، شأن الملايين الآخرين من جراء ما يجرى لمصر والمصريين من خسائر بشرية وعنف ودمار مادى. ليست هذه مصر التى ناضلت ثورة 25 يناير بشجاعة من أجلها، ولا يجب أن تكون كذلك أبدا.

وبقدر ما يطول هذا الجنون ويتمادى، بقدر ما سيكون حجم الدمار لمستقبل البلد فادحا، بالنسبة إلى رفاهية الأجيال الحالية والقادمة، واستقرار العالم العربى. إن الشعب يفقد إيمانه بثورته.

فى داخل البلد، هناك أقلية متزايدة الآن تودّ لو أن بمقدورها أن تستبدل فوضى اليوم بقمع الأمس. ولأنهم لا يستطيعون، فهم يبحثون فى كل السبل الممكنة للرحيل عن مصر وبداية حياة جديدة فى مكان آخر.

وخارج مصر، يتم توصيف الحدث التاريخى بشكل متزايد على أنه كارثى وليس حدثا يمكّن الشعب. القروض والمنح يتم تجميدها، والاستثمارات الأجنبية تراجعت. السياح مترددون فى زيارة آثار مصر ومعالمها الفريدة. وكل هذا يعمل على حجب الأكسجين عن اقتصاد يعانى بالأساس.

ومن الثابت الآن أن مصر تعانى حقيقة فى نقطة تحوُّل ثورى دقيقة، وهى تحديدا عملية الانتقال من تفكيك الماضى المرعب إلى بناء مستقبل أفضل. الوحدة تم استبدال الانقسامات بها، وأفسحت روح التضامن مكانها للشك، وحل الصراع والانقسامات محل قوة الدفع الاستراتيجية. واستحالت وحدة الهدف أغراضا متغيِّرة باستمرار. ليس ثمة رابحون هنا، بل فقط خاسرون، ومآسٍ وفقر متفشٍّ وتعاسة إنسانية هائلة. وإذا استمرت مصر فى مسارها الحالى، فإن اقتصادها سوف ينفجر وستتضاعف معاناتها المالية.

لم يعد هناك وقت لإضاعته. إن المصريين بحاجة إلى أن يجتمعوا ويغيِّروا معًا المسار الحالى. ولو أنهم فشلوا فى القيام بهذا سريعا، فإن الاقتصاد سيعانى من الكساد، وستزداد البطالة حتى بصورة أكبر، وسيتقلص الاحتياطى من النقد الأجنبى، وستجد الدولة صعوبة أكبر فى توفير الخدمات الأساسية، بما فى ذلك توفير قدر أفضل من التعليم والصحة.

إن خطر الدخول فى منزلق اقتصادى مروّع يزداد بفعل العجز المؤسسى للبلد، فكثير من المؤسسات، سواء فى القطاعين العام أو الخاص، معطل عبر مزيج من انخفاض المصداقية، وعمليات تعوزها الكفاءة، ومصالح متضاربة ودوافع فى غير محلها. إن هذا المزيج المعوق، هو أمر لا بد من فهمه، والسيطرة عليه وتجاوزه. والمهم أن هذا ليس أمرا مطلوبا فقط، بل إنه فى المتناول. ما زالت مصر تملك القدرة على تغيير المسار واستئناف مسار الثورة الواعد نحو تمكين الشعب.

وكخطوة أولى ومُلِحّة، فإن كل الحركات السياسية المصرية الكبرى بحاجة إلى أن تجتمع فى حوار وطنى يضع على قمة أولوياته رفاهية البلد ومواطنيه. وفى هذا الإطار فإن الحركات السياسية بحاجة إلى الالتزام بأن تسمو فوق المصالح السياسية الضيقة والولاءات الموروثة. ويجب على أنصار تلك الحركات أولا وقبل كل شىء، أن يحمّلوهم المسؤولية ويحاسبوهم على ذلك.

ثانيا، يكون هدف هذا الحوار اتفاقا واسعا على رؤية لمصر فى 2016؛ رؤية ليست فقط مستندة ومستمََدَّة من الأهداف النبيلة والمكتسَبة للثورة، بما فيها العدالة الاجتماعية واحترام حقوق الإنسان واقتصاد مزدهر، بل تكون هذه الأهداف مهيمنة عليها.

ثالثا، يكون هذا الهدف الواسع مفصَّلا فى برامج يتم نشرها على نطاق واسع، بخطوات إرشادية واضحة، بحيث يمكن لكل المصريين أن يقيسوا التقدم المحرَز، والالتزام والتكريس.

وبهذا، سيجد التكنوقراط من السهولة بمكان أن يصمموا مجموعة من الإصلاحات الداعمة. وواقع الأمر أن الصعوبات الفنية يمكن التغلب عليها شريطة أن تكون العملية السياسية أكثر وحدة ومساندة.

أتذكر هنا مرحلة مشابهة من ثورة جنوب إفريقيا، وهى مرحلة ربما تكون مفيدة للمصريين. فى لحظة كانت تمثل المنعطف الأدق على طريق صعود جنوب إفريقيا من عقود من الفصل العنصرى المقيت، كانت لدى معظم دول العالم وقطاع كبير من سكان القارة الرغبة فى التخلى عن السعى نحو العدالة الاجتماعية وتمثيل الجميع، بدا هذا المسعى صعبا للغاية، وشديد التعقيد وغير مرجَّح إلى حد بعيد أن يتحقق. كانت الانقسامات عميقة جدا وسمح وقت طويل جدا للكراهية بأن تنمو. عندها جاء نيلسون مانديلا برسالة بسيطة وملهمة لرجال ونساء وطنه. لقد حثّهم على أن «يسامحوا لا أن ينسوا».

ضغط عليهم مانديلا لكى يركزوا على بناء مستقبل أفضل كان الجميع يتطلع إليه. أما هو فقد وعد بالتصدى للإرث من المظالم فى سياق عملية مكاشفة ومصالحة مرتبة وعلى مدار سنوات.

إن مصر لا تملك شخصا بمكانة ومصداقية نيسلون مانديلا. لكنه ما زال بمقدورها أن تستنسخه عبر مجهود جمعى. يجب، بل لا بد أن تقوم بذلك. أيها المصريون، لقد فاجأتم العالم بتفكيك نظام متخندق بشدة فى 18 يوما، حكم بقبضة حديدية لعقود عديدة، وقد آن الأوان لأن تفاجئوا العالم بوقوفكم معا واستعادة الثورة وتقديم مستقبل أفضل لشعبكم، لطالما ناضل بشكل مشروع من أجله

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق